السبت، 21 مارس 2020

علاقة اللغة بالفكر


 علاقة اللغة بالفكر

هل العلاقة بين اللغة و الفكر اتصالية ام انفصالية
هل الألفاظ حصون المعاني
هل العلاقة بين اللغة و الفكر تلازمية
هل اللغة تعبر عن الفكر؟
هل تعبر اللغة عن الفكر

مقدمة:

إذا كانت اللغة نسقا من الألفاظ و الإشارات التي يستعين بها الإنسان بغية التواصل، و كان الفكر نشاطا ذهنيا ناتجا عن بعض الوظائف العقلية من تصور و تخيل و إدراك، فإن إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر تعد إحدى الإشكاليات الكبرى العالقة بتاريخ الفكر الفلسفي عامة و علماء اللغة خاصة، و ذلك نظرا للتداخل الموجود بينهما حيث تضاربت الآراء و اختلفت الاتجاهات بين من يؤكد على وجود علاقة تكامل بينهما و بين من يفصل بين اللغة       و الفكر و في ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل العلاقة بين اللغة و الفكر علاقة اتصال أم انفصال؟
هل تستطيع اللغة التعبير عن كل ما نفكر فيه؟
هل قدرتنا على التعبير تتناسب مع قدرتنا على التفكير؟ هل اللغة تستوعب الفكر؟

الموقف الأول:

أ‌.        الاتجاه الأحادي:
يذهب انصار الاتجاه الأحادي بزعامة دوسوسير إلى الاعتقاد بأن اللغة و الفكر شيء واحد فاللغة و الفكر متلازمان و الدليل على ذلك:
إذا كان الفكر وحيدا دون لغة ستسقط عنه قيمته فنحن نتعرف على الافكار بالألفاظ يقول أرسطو"ليس ثمة تفكير بدون لغة" و يقول هيجل"إن الرغبة في التفكير بدون كلمات هي محاولة من العدم"
إن علم النفس الحديث خاصة المدرسة السلوكية بزعامة واطسون و بافلوف تؤكد على أن الطفل يتعلم اللغة و الفكر في آن واحد فهو ينطق الكلمات و يبحث عن معناها.
إن اللغة تحرك الفكر فكلمة واحدة قد تشغل الفكر لعدة ساعات، كما أن الفكر في حد ذاته لغة صامتة فالاعتقاد بوجود نشاط فكري دون لغة هو مجرد وهم، لأن الفكر حوار داخلي مع الذات فعندما أفكر أتكلم بصوت خافت، و عندما أتكلم أفكر بصوت مرتفع على حد تعبير أحمد معتوق، يقول واطسون"الفكر كلام صامت و حركات تنطوي تحت السلوك الإنساني"
إن اللغة هي تراث حضاري ينقل أعمال الأجيال السابقة فلولاها لما كانت لدينا فكرة عن الماذي و انتقلت الينا حضارة يقول هيدجر " اللغة هي المسكن الذي نسكن فيه" و يقول ماكس موليير " ماكان الإنسان ليقدس اللغة حبا لها أو لأنغامها و أجراسها و إنما لأنها تسجل تفكيره و تحفظه و تنقله إلى إخوانه في الإنسانية" فاللغة تحمي الفكر أيضا من الضياع عبر الزمن يقول هاملتون" الألفاظ حصون المعاني"
إن اللغة تركيب لفظي و لم يكن في وسع الرافضين لإمكانية اللغة عن التعبير التعبير عن آرائهم لولا اللغة يقول زكي نجيب محمود " إن الفكر هو تركيب لفظي لا أكثر و لا أقل"
إن العبارة الواضحة هي الفكرة الواضحة، و العبارة الملتوية هي الفكرة الغامضة، لذا نجد صعوبة في فهم الطفل الصغير أو المختل عقليا لأن عباراتهما ملتوية و غير منتظمة.
و منه فإن اللغة و الفكر لا يمكن الفصل بينهما فهما وجهان لعملة واحدة.
النقد:
على الرغم من أهمية اللغة كأداة للتعبير عن الفكر إلا أن القول بقدرتها التامة على ذلك أمر مبالغ فيه لأن الواقع يثبت أن افكارنا أوسع بكثير من أن نحصرها في لغة فنحن نفكر أكثر مما نتكلم بل نحن نفكر ثم نتكلم لذا جمع دعاة الإتجاه الاحادي شيئين مختلفين هما اللغة و الفكر.

الموقف الثاني:

ب‌.     الاتجاه الثنائي:
على خلاف رواد الموقف الأول يذهب دعاة الانفصال بزعامة هنري برغسون إلى أن الفكرة شيء و اللغة شيء آخر، فهما غير متناسبان لذلك يشكلان ثنائية لا احادية، فكثيرا ما تعيق اللغة نشاط الفكر فهو واسع لا متناهي أما اللغة فمتناهية و محدودة و من بين الأدلة التي اعتمدها دعاة هذا الموقف نجد
إن اللغة عاجزة عن نقل مشاعرنا و عواطفنا و أفكارنا فقد نفرح أمام موقف معين دون أن نجد الكلمات التي تعبر عن شعورنا فنكتفي بالقول إن اللسان عاجز عن التعبير. يقول الشاعر الفرنسي فاليري " إن أجمل الاشعار هي التي لا نستطيع التعبير عنها" و يقول برغسون "الواقع أننا لا ندرك من عواطفنا سوى جانبها غير الشخصي" المقصود بذلك أنه يصعب على اللغة نقل كل عواطفنا سواء في حالة المحبة أو الكراهية، فإذا طلب منك ترجمة محبتك لعائلتك فإنك تعجز عن ترجمة تلك المحبة
إن اللغة ما هي إلا وسيلة يقودها الفكر فهي مجرد مرآة عاكسة للأشياء، و هي محدودة مقارنة بالفكر، و الدليل على ذلك هو بحث المتكلم عن الألفاظ المناسبة اللتعبير عن أفكاره يقول برغسون "إن اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر" و يقول أفلوطين " إن الفكر فيض متدفق لا يعرف الانقطاع"
إن الفكر مختلف تماما عن اللغة فاللغة شيء خارجي إجتماعي     و الفكر شيء داخلي روحاني، يقول ديكارت "إن اللغة و الفكر من طابعين مختلفين فاللغة لها طابع مادي خارجي و الفكر له طابع روحاني داخلي"
إن الفكر سابق عن اللغة من الناحية الزمنية فنحن نفكر ثم نتكلم.
كثيرا ما تعيق اللغة عمل الفكر و تحد من نشاطه، فإذا وضعنا أفكارنا في قالب لغوي حكمنا عليها بالجمود يقول برغسون"الألفاظ قبور المعاني" و يقول أيضا "إن اللغة تحجر الفكر و تشينه"
إن اللغة لا تنقل الفكر بصدق دائما فالأفكار الموجودة في الذهن قد تنقل بأكثر من لفظ، مما يفقدها معناها الحقيقي لذا يقال في المثل الإيطالي"المترجم خائن" كما يلاحظ على الإنسان إذا حاور شخصا بلغة أجنبية قد يفهم محتوى الكلام و لكنه لا يستطيع التعبير.
النقد:
حقيقة لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن ننكر عدم قدرتنا على التعبير عن أفكارنا، و ترجمة مشاعرنا لكن ما يلاحظ على دعاة الاتجاه الثنائي هو محاولة الفصل التام بين اللغة و الفكر، فالعجز في التبليغ ناتج عن ضعف الرصيد اللغوي لذا يؤكد علم النفس الحديث أن الطفل يتعلم اللغة و الفكر في آن واحد.
التركيب:
مهما تكن اللغة عاجزة أحيانا عن مسايرة تدفق الفكر إلا أنها تبقى الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الفكر، فلا فكر بدون لغة و لا لغة بدون فكر يقول دولاكروا "إن اللغة تصنع الفكر و الفكر يصنع اللغة" يقول لافيل " ليست اللغة ثوب الفكر و لكنها جسده"

خاتمة:
نستانتج من خلال تحليلنا للموقفين أن قدرتنا على التبليغ تتناسب بشكل جزئي مع قدرتنا على التفكير، لكن ذلك لا يمنع وجود تفاعل بين اللغة و الفكر فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكرو يعبر عن تفكيره باللغة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق