هل الرياضيات علم يقيني؟
هل الرياضيات علم يقني؟
هل الرياضيات مطلقة أم نسبية؟
هل الرياضيات ثابتة أم متغيرة؟
مقدمة
لا يخلو علم من العلوم إلا و استخدم المبادئ و اللغة الرياضية، و إذا كان الاتفاق واردا حول تعريف الرياضيات على أنها العلم الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس فإن هناك اختلافا كبيرا حول مدى مطلقيتها، و لعل لاستخدام الواسع للرياضيات دفع بالبعض البحث في قيمة النتائج التي تصل إليها خاصة مع ظهور الهندسات اللاإقليدية، التي شككت في مدى مطلقية الرياضيات، حيث ظهرت دعاوى تنادي بنسبية النتائج التي تصل إليها الرياضيات، و من هنا تفاقم الجدل بين المفكرين و الفلاسفة ما يستعجلنا إلى طرح التساؤل التالي
هل الرياضيات علم يقيني مطلق؟
هل الرياضيات ثابتة؟
الموقف الأول
الرياضيات علم يقيني، يذهب رواد الرياضيات الكلاسيكية إلى الاعتقاد بمطلقية الرياضيات كونها تنطلق من مجموعة من التعاريف الصارمة و تستعمل منهجا دقيقا و تصل الى نتائج متفق عليها فالتعاريف التي تعتمد عليا الرياضيات منها ما هو انشائي و منها ماهو تحليلي، أما بالنسبة للمنهج فهناك طريقتان، التحليل و الذي ننتقل فيه من المركب إلى البسيط و التركيب و الذي ننتقل فءيه من البسيط إلى المركب. اما نتائج الرياضيات فهي دقيقة كما انها تتصف الانسجام مع مبادئها التي انطلقت منها و من ناحية اخرى فإنها تتسم بالكمية فتستعمل اللغة الرمزية . اضافة إلى أنها تتميز بالجدة و الابداع في نتائجها فهي تمثل لغة العلوم، و إذا أرادت العلوم أن تتطور فعليها الللحاق بركب الرياضيات و قوانيها لذلك يقول برتنرندراسل إذا أرادت الفزياء أن تتطور فالتلحق الرياضيات و إذا ارادت الرياضيات أن تتطور فلتترك الفزياء وراءها
ما يثبت يقينية النتائج الرياضية فكرة البداهة التي يتبناها ديكارت إذ يعتقد أن صدق المفاهيم الرياضية يستند اساسا على فكرة البداهة و هذا مادعى إليه سبينوزا بقوله"إن الرياضيات هي لغة المفاهيم و الصور العقلية المجردة" و بالعودة إلى الهندسة الاقليدية نجد اقليدس يؤمن بمجموعة من المبادئ الرياضية كبدبهية " الكل أكبر من الجزء" نجد من ناحية أخرى الفيلسوف الألماني كانط الذي اعتبر أن الرياضيات هي وحدها التي تملك تعاريف صارمة، للمفاهيم الرياضية فالمثلث هو شكل هندسي يتكون من ثلاثة أضلاع متقاطعة مثنى مثنى تأكيدا على ما سبق نجد الفيلسوف باسكال يؤكد على مطلقية الرياضيات بقوله "الهندسة هي الوحيدة من العوم التي تنتج براهين معصومة من الخطأ" و ننفس الموقف ذهب إليه أوغست كونت مؤكدا على يقينية الرياضيات بقوله "الرياضيات هي الآلة الضرورية لكل علم" و لا يقتصر استخدام اللغة الرياضية على العلوم التجيبية و إنما يتعداها إلى العلوم الانسانية هذا مادفع برغسون إلى القول "إن العلم الحديث وليد الرياضيات" و منه فإن الرياضيات علم يقيني مطلق
النقد
يبدو موقف رواد الاتجاه الأول صحيحا إلا أن هناك مبالغة كبيرة في الدفاع عن قيمة الرياضيات و يقينها، فالواقع يثبت أن الرياضيات تتصف بالاحتمالية و النسبية و التقريب فرغم أهمية الطرح الذي قدم به هؤلاء إلا أن الرياضيات تبقى مجرد إبداع إنساني يمكن أن يكون صادقا كما يمكن أن يكون خاطئا أو نسبيا
الموقف الثاني
الرياضيات علم نسبي، على خلاف ماذهب إليه رواد الاتجاه الاول يتجه بعض الفلاسفة إلى التسليم بنسبية و احتملية النتائج الرياضية و هذا ما تبنته النهدسة المعاصرة، التي اقامت مبادئها على محموعة من المسلمات تختلف عن مسلمات الهندسات القديمة و ذلك انطلاقا من فكرة مفادها أن الرياضيات تحوي مسلمات يضعها صاحب النسق و يسلم بصدقها و لا تتوي على بديهيات، فعمد ريمان إلى وضع هندسة تكون فيها درجة الانحناء أكبر من الصفر و يكون السطح محدبا ومن ثمة فإن مجموع زوايا المثلث يكون أكبر من 180 درجة أما من نقطة خارج مستقيم فإننا لا نستطيع رسم أي موازي. في حين يذهب لوباتشفسكي إلى الستليم بأن السطح مقعر و درجة الانحناء أقل من 0 الصفر و من ثمة فإن مجموع زوايا المثلث يكون أقل من 180 درجة، أما من نقطة خارج مستقيم فإننا نستطيع رسم أكثر من موازي.من خلال تعدد الأنساق اتضح أن هندسة اقليدس ما هي إلا حالة من الحالات التي يمكن أن تكون عليها الرياضيات و أن الهندسة و النتائج التي تصل تصل غليها تختلف باختلاف المسلمات التي تنطلق منها. ضف إلى ذلك أن الرياضيات pعندما تنزل إلى الواقع تقع في التقريبات فبعض القيم كالعدد
الذي تساوي قيمته 3.14 و لكنه تعبير عن قسمة 22/7 و إذا ما أردنا التحقق من هذه القيمة نجدها نسبية بدليل أن ضرب 7*3.14= اقل من 22
إن المنهج الاستنتاجي الذي تعتمده الرياضيات اوقع الرياضيين أكثر من مرة في الأخطاء و هذا ما عبر عنه ديكارت كما أن الرياضيات تستعمل مجموعة من العمليات الحسابية دون أن نعرف دلالتها الواقعية وهذا ما عبر عنه راسل بقوله "إن الرياضيات هي العلم الذي لا نعرف عن ماذا نتحدث عنه و هل ما نقوله صحيحا" و لعل هذا التعدد الواقع في الأنساق الرياضية هو ما دفع ببلوغان إلى القول "إن تعدد الأنساق في الهندسة دليل على أن الرياضيات لا توجد فيها حقائق مطلقة" و نجد من ناحية أخرى الفيلسوف الفرنسي روبير بلانشي الذي يعتبر أن التعريفات في الريايات ما هي إلا تعريفات لغوية و هذا ما دافع عنه في كتابه الأكسيوماتيك كما أوضع أيضا أن بديهية اقليدس القائلة بأن الكل أكبر من الجزء بديهية خاطئة لأن هذا القانون يكون صالحا فقط في المجموعة المنتهية. و على هذا تصبح الهندسة الاقليدية مجرد حالة من الحالات التي يمكن أن تكون عليها الرياضيات
و منه فالرياضيات علم نسبي غبر يقيني
النقد
إن تعدد الأنساق الرياضية ينبغي أن لا يدفعنا إلى الشك في قيمة الرياضياتو هذا ما جعل بوانكاري يقول " ‘نها تقدم للعالم الفزيائي اللغة التي يستطيع التعبير بها" و نجد بيكار يقول أيضا "لغة ذات قوة عجيبة في التغيير و التنبؤ" كما أن تعدد الأنساق لا يعني الانقاص من قيمة الرياضيات فالعالم الرياضي لا يفترض من المسمات ما يخالف المنطق كما أن الفرضيات و المسلمات ينبغي أن تتقيد بمجوعة من الشروط الضرورية.حيث تنسجم فيها المقدمات التي تنطلق منها مع النتائج التي تصل إليها، كما أن الهندسة الاقليدية لازالت حاضرة في الدراسات المعاصرة
التركيب
من خلال عرضنا للطرخين المتضادين يمكننا الوصول إلى موقف وسطي مفاده أن تعدد الأنساق دليل على خصوبة الرياضيات كما أن الأنساق الرياضية تكون يقينية و مطلقة في إطار النسق الواحد و تكون نسبية بالنظر إلى تعدد الأنساق و اختلافها، و من ثمة فإن اليقين الرياضي يفرضه الانسجام الحاصل بين المقدمات و النتائج التي يمكننا الوصول إليها
خاتمة
ما نستنتجه في الأخير أن الرياضيات الكلاسيكية لم تعد توصف باليقين و المطلقية، و لم تعد تمثل اليقين الرياضي الوحيد الذي يمكننا الوصول إليه في ظل تعدد الأنساق في الهندسة المعاصرة . و من ثمة أصبح الحديث أكثر عن النسقية التي ينبغي أن تتميز بها الرياضيات و التي تضمن إلى حد ما صدق الهندسة إضافة إلى أن اللغة الرياضية هي من أعطت قيمة أكبر للرياضيات فالرياضيات مفتاح للعلوم و لغة لها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق