الخميس، 26 مارس 2020

هل الرياضيات علم يقيني؟

 هل الرياضيات علم يقيني؟

هل الرياضيات علم يقني؟
هل الرياضيات مطلقة أم نسبية؟
هل الرياضيات ثابتة أم متغيرة؟

مقدمة

لا يخلو علم من العلوم إلا و استخدم المبادئ و اللغة الرياضية، و إذا كان الاتفاق واردا حول تعريف الرياضيات على أنها العلم الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس فإن هناك اختلافا كبيرا حول مدى مطلقيتها، و لعل لاستخدام الواسع للرياضيات دفع بالبعض البحث في قيمة النتائج التي تصل إليها خاصة مع ظهور الهندسات اللاإقليدية، التي شككت في مدى مطلقية الرياضيات، حيث ظهرت دعاوى تنادي بنسبية النتائج التي تصل إليها الرياضيات، و من هنا تفاقم الجدل بين المفكرين و الفلاسفة ما يستعجلنا إلى طرح التساؤل التالي
هل الرياضيات علم يقيني مطلق؟
هل الرياضيات ثابتة؟

الموقف الأول

الرياضيات علم يقيني، يذهب رواد الرياضيات الكلاسيكية إلى الاعتقاد بمطلقية الرياضيات كونها تنطلق من مجموعة من التعاريف الصارمة و تستعمل منهجا دقيقا و تصل الى نتائج متفق عليها فالتعاريف التي تعتمد عليا الرياضيات منها ما هو انشائي و منها ماهو تحليلي، أما بالنسبة للمنهج فهناك طريقتان، التحليل و الذي ننتقل فيه من المركب إلى البسيط و التركيب و الذي ننتقل فءيه من البسيط إلى المركب. اما نتائج الرياضيات فهي دقيقة كما انها تتصف الانسجام مع مبادئها التي انطلقت منها و من ناحية اخرى فإنها تتسم بالكمية فتستعمل اللغة الرمزية . اضافة إلى أنها تتميز بالجدة و الابداع في نتائجها فهي تمثل لغة العلوم، و إذا أرادت العلوم أن تتطور فعليها الللحاق بركب الرياضيات و قوانيها لذلك يقول برتنرندراسل إذا أرادت الفزياء أن تتطور فالتلحق الرياضيات و إذا ارادت الرياضيات أن تتطور فلتترك الفزياء وراءها 
ما يثبت يقينية النتائج الرياضية فكرة البداهة التي يتبناها ديكارت إذ يعتقد أن صدق المفاهيم الرياضية يستند اساسا على فكرة البداهة و هذا مادعى إليه سبينوزا بقوله"إن الرياضيات هي لغة المفاهيم و الصور العقلية المجردة" و بالعودة إلى الهندسة الاقليدية نجد اقليدس يؤمن بمجموعة من المبادئ الرياضية  كبدبهية " الكل أكبر من الجزء" نجد من ناحية أخرى الفيلسوف الألماني كانط الذي اعتبر أن الرياضيات هي وحدها التي تملك تعاريف صارمة، للمفاهيم الرياضية فالمثلث هو شكل هندسي يتكون من ثلاثة أضلاع متقاطعة مثنى مثنى تأكيدا على ما سبق نجد الفيلسوف باسكال  يؤكد على مطلقية الرياضيات بقوله "الهندسة هي الوحيدة من العوم التي تنتج براهين معصومة من الخطأ" و ننفس الموقف ذهب إليه أوغست كونت مؤكدا على يقينية الرياضيات بقوله "الرياضيات هي الآلة الضرورية لكل علم" و لا يقتصر استخدام اللغة الرياضية على العلوم التجيبية و إنما يتعداها إلى العلوم الانسانية هذا مادفع برغسون إلى القول "إن العلم الحديث وليد الرياضيات" و منه فإن الرياضيات علم يقيني مطلق

النقد

يبدو موقف رواد الاتجاه الأول صحيحا إلا أن هناك مبالغة كبيرة في الدفاع عن قيمة الرياضيات و يقينها، فالواقع يثبت أن الرياضيات تتصف بالاحتمالية و النسبية و التقريب فرغم أهمية الطرح الذي قدم به هؤلاء إلا أن الرياضيات تبقى مجرد إبداع إنساني يمكن أن يكون صادقا كما يمكن أن يكون خاطئا أو نسبيا

الموقف الثاني

الرياضيات علم نسبي، على خلاف ماذهب إليه رواد الاتجاه الاول يتجه بعض الفلاسفة إلى التسليم بنسبية و احتملية النتائج الرياضية و هذا ما تبنته النهدسة المعاصرة، التي اقامت مبادئها على محموعة من المسلمات تختلف عن مسلمات الهندسات القديمة و ذلك انطلاقا من فكرة مفادها أن الرياضيات تحوي مسلمات يضعها صاحب النسق و يسلم بصدقها و لا تتوي على بديهيات، فعمد ريمان إلى وضع هندسة تكون فيها درجة الانحناء أكبر من الصفر و يكون السطح محدبا ومن ثمة فإن مجموع زوايا المثلث يكون أكبر من 180 درجة أما من نقطة خارج مستقيم فإننا لا نستطيع رسم أي موازي. في حين يذهب لوباتشفسكي إلى الستليم بأن السطح مقعر و درجة الانحناء أقل من 0 الصفر و من ثمة فإن مجموع زوايا المثلث يكون أقل من 180 درجة، أما من نقطة خارج مستقيم فإننا نستطيع رسم أكثر من موازي.من خلال تعدد الأنساق اتضح أن هندسة اقليدس ما هي إلا حالة من الحالات التي يمكن أن تكون عليها  الرياضيات و أن الهندسة و النتائج التي تصل تصل غليها تختلف باختلاف المسلمات التي تنطلق منها. ضف إلى ذلك أن الرياضيات  pعندما تنزل إلى الواقع تقع في التقريبات فبعض القيم كالعدد  
 الذي تساوي قيمته 3.14 و لكنه تعبير عن قسمة 22/7 و إذا ما أردنا التحقق من هذه القيمة نجدها نسبية بدليل أن ضرب 7*3.14= اقل من 22 
إن المنهج الاستنتاجي الذي تعتمده الرياضيات اوقع الرياضيين أكثر من مرة في الأخطاء و هذا ما عبر عنه ديكارت كما أن الرياضيات تستعمل مجموعة من العمليات الحسابية دون أن نعرف دلالتها الواقعية وهذا ما عبر عنه راسل بقوله "إن الرياضيات هي العلم الذي لا نعرف عن ماذا نتحدث عنه و هل ما نقوله صحيحا"  و لعل هذا التعدد الواقع في الأنساق الرياضية هو ما دفع ببلوغان إلى القول "إن تعدد الأنساق في الهندسة دليل على أن الرياضيات لا توجد فيها حقائق مطلقة" و نجد من ناحية أخرى الفيلسوف الفرنسي روبير بلانشي الذي يعتبر أن التعريفات في الريايات ما هي إلا تعريفات لغوية و هذا ما دافع عنه في كتابه الأكسيوماتيك كما أوضع أيضا أن بديهية اقليدس القائلة بأن الكل أكبر من الجزء بديهية خاطئة لأن هذا القانون يكون صالحا فقط في المجموعة المنتهية. و على هذا تصبح الهندسة الاقليدية مجرد حالة من الحالات التي يمكن أن تكون عليها الرياضيات
و منه فالرياضيات علم نسبي غبر يقيني
النقد
إن تعدد الأنساق الرياضية ينبغي أن لا يدفعنا إلى الشك في قيمة الرياضياتو هذا ما جعل بوانكاري يقول " ‘نها تقدم للعالم الفزيائي اللغة التي يستطيع التعبير بها" و نجد بيكار يقول أيضا "لغة ذات قوة عجيبة في التغيير و التنبؤ" كما أن تعدد الأنساق لا يعني الانقاص من قيمة الرياضيات فالعالم الرياضي لا يفترض من المسمات ما يخالف المنطق كما أن الفرضيات و المسلمات ينبغي أن تتقيد بمجوعة من الشروط الضرورية.حيث تنسجم فيها المقدمات التي تنطلق منها مع النتائج التي تصل إليها، كما أن الهندسة الاقليدية لازالت حاضرة في الدراسات المعاصرة
التركيب
من خلال عرضنا للطرخين المتضادين يمكننا الوصول إلى موقف وسطي مفاده أن تعدد الأنساق دليل على خصوبة الرياضيات كما أن الأنساق الرياضية تكون يقينية و مطلقة في إطار النسق الواحد و تكون نسبية بالنظر إلى تعدد الأنساق و اختلافها، و من ثمة فإن اليقين الرياضي يفرضه الانسجام الحاصل بين المقدمات و النتائج التي يمكننا الوصول إليها
خاتمة
ما نستنتجه في الأخير أن الرياضيات الكلاسيكية لم تعد توصف باليقين و المطلقية، و لم تعد تمثل اليقين الرياضي الوحيد الذي يمكننا الوصول إليه في ظل تعدد الأنساق في الهندسة المعاصرة . و من ثمة أصبح الحديث أكثر عن النسقية التي ينبغي أن تتميز بها الرياضيات و التي تضمن إلى حد ما صدق الهندسة إضافة إلى أن اللغة الرياضية هي من أعطت قيمة أكبر للرياضيات فالرياضيات مفتاح للعلوم و لغة لها
  

الاثنين، 23 مارس 2020

الفلسفة و العلم

الفلسفة و العلم
ما الفرق بين العلم و الفلسفة
قارن  بين العلم و الفلسفة

:مقدمة

كان دأب الإنسان منذ القديم تكوين المعرفة من خلالها يتعرف على نفسه و على العالم و قد تعددت المعارف التي كونها من علم و  فلسفة و إذا كان المفهوممان مختلفان من الناحية الاصطلاحية فإن هذا يجعلنا نفترض جود اختلافات بينهما، و يجدفعنا إلى ضرورة المقارنة بينهما، و هنا يتبادر إلينا طرح الإشكال الآتي
ما الفرق بين العلم و الفلسفة
كيف يمكننا المقارنة بين العلم و الفلسفة
ما هي أوجه التشابه، الاختلاف و التداخل بين الفلسفة و العلم

أوجه الاختلاف

إن المقارنة بين العلم و الفلسفة يقتضي منا البدأ بأوجه الاختلاف و ذلك من عدة نواحي
من ناحية الموضوع: إذا كان موضوع العلم الملموسات و المحسوسات فإن موضوع الفلسفة اللاملموس، أي الميتافيزياء 
من ناحية المنهج: إن المنهج المتبع في العلم هو المنهج التجربيبي الاستقرائي الذي نعتمد فيه على الملاحظة فالفرضية ثم التجربة، أما منهج الفلسفة فهو المنهج التأملي الاستنباطي
من ناحية اللغة: إن اللغة العلمية لغة رمزية دقيقة أما لغة الفلسفة فإن الكلمات الطبيعية
من ناحية النتائج: إن النتائج التي نتوصل إليها في العلم متفق عليها في غالب الأحيان، في حين أن نتائج الفلسفة متنوعة و مختلفةو لا يمكننا الحكم على أي واحدة منها بالصدق أو الكذب
يقول برترند راسل  العلم هو ما نعرف و الفلسفة ما لا نعرف

أوجه التشابه

إن وجود أوجه اختلاف بين الطرحين لا ينفي وجود أوجه تشابه بينهما، إذ أن كل منهما معرفة كما أنهما خاصان بالإنسان دون غيره من الكائنات 
كلاهما يعبران عن عبقرية الإنسان
كلاهما أداة للتخلص من الجهل
كلاهما له موضوع، نهج و هدف
كلاهما ينتقل من دراسة واقع الإنسان

أوجه التداخل

وجود أوجه تشابه و اختلاف بين الطرحين يدفعنا إلى ضرورة تحديد طبيعة العلاقة بينهما إذ أن العلم جزء لا يتجزأ من المعرفة الفلسفية كما أن الفلسفة تحاول معالجة المواضيع الذي عجز العلم عن تحليلها فالفلسفة تضهر في المساء بعد أن يكون العلم قد قضى يوما طويلا

الخاتمة

إن العلاقة بين العلم و الفلسفة تداخلية ترابطية فوجود العلم يعطي للفلسفة المادة الأولية للتساؤل و وجود الفلسفة يتيح للعلم طرح التساؤلات الابتسملوجية التي تخرجه من دائرة الدوغمائية إلى دائرة الاحتمالية 

أصل المفاهيم الرياضية

أصل المفاهيم الرياضية

هل الرياضيات عقلية أم تجريبية
هل الرياضيات فطرية أم مكتسبة
هل المفاهيم الرياضية قلبية أم بعدية

:المقدمة
منذ أن كتب أفلاطون على باب أكادميته من لا يعرف الرياضيات لا يطرق بابنا و الرياضيات تحتل مكانة مرموقة، و إذا كانت الرياضيات هي ذلك العلم الذي يدرس المقادير القابلة للقياس أي الكم بنوعيه المتصل ألا و هو الهندسة و المنتفصل المتمثل في  الحساب، و لكن هناك اختلاف حول أصل و منبع المفاهيم الرياضية و حول هذه المشكلة اختلفت آراء الفلاسفة بين من يعتقد ان الرياضيات ذات منشأ عقلاني و بين من يرى أن الرياضيا تعود في اصولها الأولى إلى ما هو تجربي و حول هذا يمكننا طرح الاشكال التالي 
هل يمكن أن تكون الرياضيات ذات مصدر عقلاني
الموقف الأول
يرى أنصار الأطروحة الأولى أن المفاهيم الرياضية لا يمكن إلا أن تكون عقلية فطرية موجودة في ذهن الانسان مسبقا و قد استندو في ذلك على مسلمة مفادها أن المعرفة برمتها ترجع إلى ما هو عقلاني و مادامت الرياضيات جزء من المعرفة فغن المعرفة ذات منشا عقلي
و من الفلاسفة الذين دعمو هذا الطرح نجد أفلاطون الذي اعتبر أن الرياضيات من مورثات عالم المثل حيث أن  التفس قبل أن تلتصق بالجسد كانت تعيش في عالم المثل و تعرف كل الحقائق و لكن مع نزولها إلى العالم الحسي نسيت بعض المعارف و لمنها بقيت ممتلكة للمعاني الرياضية
نجد من ناحية أخرى القديس أو غسطين الذي يرى أن المفاهيم الرياضية لا يمكن إلا أن تكون عقلية لأن الإله وضع فينا المفاهيم الرياضية لكي نعرفه حق المعرفة و إذا ما انتقلنا إلى الفلسفة الحديثة نجد المفكر ديكارت قد اعتقد أن الرياضيات علم برهاني عقلي 
إذ  يقول "إن الرياضيات مجموعة من السلاسل العقلية الجميلة السهلة و البسيطة في نفس الوقت
أما في الفلسفة النقدية فإننا نجد المفكر الألماني إيمنويل كانط قد اعتبر الزمان و المكان مفهومان قبيان سابقان عن كل تجربة حسية، و مادام الزمان مرتبط الحساب و الهندسة مرتبطة بالمكان فإن الرياضيات ذات منشأ عقلي
:النقد
 إذا كانت الرياضيات كما يعتقد البعض أن الرياضيات علم عقلي كما يدعي العقلانيون فإن الريضيات وجدت علما كاملا منذ البداية لكن الواقع يثبت أن الرياذيات علم تراكمي مثلها مثل العوم الأخرى مما يعني أنها واقعية تجريبية
الموقف الثاني
الرياضيات علم تجربي ، و هذا ماذهب إليه التجريبيون اعتقادا منهم أن المعرفة تعود في أصولها الأولى إلى الواقع و هذا ما ذهب إليه كل من فيثاغورس و جون ستوايرت مل حيث يعتقد فيثاغوس أن الكون مبني على اساس فكرة العدد و مادام أصل العدد واحد فإن أصل الكون واحد أيضا
نجد من ناحية أخرى الفيلوف الاستقرائي مل الذي دافع عن الأصل التجريبي للرياضيات، من خلال دراسته لتكريبية المجتمعات القديمة حيث وجد أن القدامى كانو يستقدمون طرقا تجربية في حساب مساحة الأراضي الزراعية
عطفا على ماسبق فإن بعض المفاهيم الرياضية تبدو انها مستمدة من الطبيعة فالجبل مثلا يوحي لنا بفكرة المثلث و أفق البحر يوحي لنا بفكرة المستقيم و توحي لنا النجوم بفكرة النقطة، أما القمر و الشمس فتوحي لنا بفكرة الدائرة، كما أن الإنسان البدائي كان يعتمد على أصابع اليدين و القدمين في عملية الحساب و يعتمد ايضا على الرزم في عملية الحساب
النقد
بالرغم من أن المفاهيم الرياضية قد تستمد من التجربة إلا أن البهيمة لا يمكنها تكوين المفاهيم الرياضية، و من ثمة تبقة الرياضيات علم عقلاني بامتياز يختص بالإنسان دون غيره من الكائنات
التركيب
بين هاذين الموقفين المتضادين يمكننا القول على حسب موقفلا واطسون و حون بياجيه أن المفاهيم الرياضية لا يمكن إلا أن تكون عقلية و تجربية في نفس الوقت، فالرياضيات بدأت تجريبية إلا أن نزعة الإنسان نحو اللكما جعلتها عقلية فالطفل الصغير يتعمل أدوات حسية في عملي الحساب إلا أنه فيما بعد يستغني عن الأدوات الحسية و يكتفي بالعمليات العقلي
الخاتمة
نستنتج في الأخير أن المفاهيم الرياضية عقلية و تجريبية في آن واحد، و هذا مايثبته التاريخ و الواقع. كما أن الرياضيات لغة العلوم و مفتاحها تستعمل طرقا و استدلالات للوصول إلى نتائج و لكن هناك تساؤل آخر حول حول مدى يقينية و صدق النتئج التي تتوصل إليها الرياضيات 

الأحد، 22 مارس 2020

المسؤولية بين الحرية و الحتمية

المسؤولية بين الحرية و الحتمية
هل الإنسان مسؤول عن أفعاله
هل المسؤولية مرتبطة بالحرية أم الحتمية



مقدمة:
من الإشكاليات الفلسفية المعاصرة نجد اشكالية الجزاء ؛ التي لم تتفق حولها النظريات الفلسفية وكان محور الخلاف حول مسالة تبعية الفعل ؛ وإذا كان الجزاء هو الفكرة المترتبة عن المسؤولية فهذا يعني تحمل نتائج الفعل ومن هنا تنوعت الرؤى الفلسفية بين النظرية العقلية والوضعية ؛ بحيث تعتقد الاولى أن الإنسان مسؤول عن أفعاله لوحده والثانية ترى انه مدفوع بحتميات نحو الفعل ومن هنا يواجهنا السؤال الإشكالي التالي اذا كان الإنسان متمتعا بحرية الاختيار فهل معنى ذلك انه مسؤول عن أفعاله ؟ 
العرض:
الأطروحة1: يرى أنصار الأطروحة أن الإنسان مسؤول عن أفعاله وهذا انطلاقا من انه يتمتع بحرية الاختيار والمفاضلة بين الأشياء وكذا التمييز ومن هنا فهو مسؤول عن كل مايصدر عنه من أفعال ويبرهن أنصار الأطروحة فكرتهم بحجة أن كل إنسان يتميز بحرية الاختيار لا بل يتمتع بها ومن هذا المنطلق فهو مسؤول عن أفعاله . حيث أكد أفلاطون أن الناس مسؤولون عن أفعالهم ويتهمون القضاء والقدر والله بريء من تصرفاتهم ومن هنا لا بد من عقابهم اشد العقاب ؛ ونفس التصور يذهب إليه الفيلسوف امانويلكانط الذي يرى أن الإنسان مسؤول عن كل ما يصدر عنه من أفعال ويستحق العقاب الصارم فما يبعث الإنسان على الفعل إلا انتقاء له؛ ويستدل امانويلكانط بطريقة العقاب التي كان يحاكم بها المجرمين قديما وهي أن يحضر إلى ساحة تعرف بساحة العقاب بحيث تقرأ جرائمه أمام الجميع على أن يكون يوم عطلة ويجبر الأطفال والنساء على الحضور لمعاينة العملية وبعد تنفيد الحكم وهو الإعدام وقبل أن ينصرف الجميع تقرا الجملة المفيدة وهي كل من تقول له نفسه أن يقوم بنفس الأفعال التي قام بها المجرم يقابل بنفس المشهد الرهيب وهكذا ينصرف الناس خائفين مذعورين من الهول ومن هنا تكون العقوبة قد أدت دورا تربويا وأخلاقيا ؛ وهذا ما علن عنه الفيلسوف الفرنسي نيكولا مالبرانش الذي يرى انه من الواجب علينا أن نعاقب المجرم ومن لا يطلب ذلك لا يحب الله ولا العدالة كما يرى الفيلسوف جون بول سارتر أن الإنسان يختار الماهية بنفسه وهو مسؤول عن أفعاله دون أي تأثير خارجي وعليه لابد من العقاب الصارم
نقد:
إن أنصار الأطروحة قد أكدوا على فكرة العقاب على أن الإنسان مسؤول عن أفعاله في كل الأحوال ونظرت إليه على انه يتميز بالحرية المطلقة والواقع لا يؤيد ذلك فمن الممكن أن تحيط بالإنسان مجموعة من الحتميات تعيقه فيتكيف مع وضعيات كثيرة
الأطروحة2:
يرى أنصار الأطروحة أن الإنسان غير مسؤول لوحده عن أفعاله بل يتقاسم المسؤولية مع مجتمعه وذلك لوجود مجموعة من الحتميات المختلفة على مستويات كثيرة فزيولوجية ؛ نفسية ؛ اجتماعية . ويبرهن أنصار الأطروحة على فكرتهم بحجة أن الإنسان مرتبط بحتميات كثيرة وعلى رأسها الحتمية الفزيولوجية التي تتحكم في تركيبها لفزيولوجي الذي يعبر عن وراثة الجريمة وكان هذا رأي لومبروزو الذي يرى أن الإنسان قد ورث الجريمة عن غيره انطلاقا مما يلاحظ من صفات توحي بالإجرام ؛ ومن الناحية النفسية أكد العالم النفساني فرويد على أن الإنسان يعاني صراعا نفسيا داخل جهازه النفسي ؛ عن طريق اختلال التوازن الذي يقود إلى الجرائم ومن هنا يكون المجرم مريض نفسيا ؛ لابد من معالجته في النهاية وعليه فهو غير مسؤول لوحده بل هناك أسباب نفسية ضاغطة ؛ بينما من الناحية الاجتماعية ا يرى الفيلسوف فيري أن العامل الشخصي لا يؤدي وحده إلى الجريمة إلا إذا ساعده العامل الاجتماعي ومثل ذلك بالمادة القابلة للذوبان لا تذوب إلا إذا عرضناها إلى الحرارة ؛ وتدني المستوى الثقافي والجهل لدليل على ذلك ومنه هنا تكون الأسباب الاجتماعية هي الدافع إلى الجريمة وبالتالي المسؤولية جماعية وليست فردية
نقد: يمكن القول أن أنصار الأطروحة قد نظروا إلى الإنسان بنظرة السجين داخل الحتميات المختلفة والواقع يؤكد أن الإنسان يمتلك حرية الاختيار والانتقاء؛ فهو مسؤول فليس كل من أجرم كان السبب نفسيا واجتماعيا بل قد يعود إلى أسباب أخرى



التركيب:
بعد عرض الأطروحتين تبين أن المسؤولية فردية وجماعية حيث يجب معاقبة المجرم بالنظر الى خطورة الجريمة و نسبة المسؤولية الفردية التي تجلت في فعله الاجرامي ، و تخفف اذا قلت هذه المسؤولية بسبب الدوافع و الظروف المؤثرة .
:الخاتمة
يمكن القول في الأخير أن الإنسان مسؤول عن أفعاله و لكن المسؤولية هنا درجات تختلف باختلاف وضعية الافراد الاجتماعية، السياسية، النفسية و الفزيلوجية.

السبت، 21 مارس 2020

علاقة اللغة بالفكر


 علاقة اللغة بالفكر

هل العلاقة بين اللغة و الفكر اتصالية ام انفصالية
هل الألفاظ حصون المعاني
هل العلاقة بين اللغة و الفكر تلازمية
هل اللغة تعبر عن الفكر؟
هل تعبر اللغة عن الفكر

مقدمة:

إذا كانت اللغة نسقا من الألفاظ و الإشارات التي يستعين بها الإنسان بغية التواصل، و كان الفكر نشاطا ذهنيا ناتجا عن بعض الوظائف العقلية من تصور و تخيل و إدراك، فإن إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر تعد إحدى الإشكاليات الكبرى العالقة بتاريخ الفكر الفلسفي عامة و علماء اللغة خاصة، و ذلك نظرا للتداخل الموجود بينهما حيث تضاربت الآراء و اختلفت الاتجاهات بين من يؤكد على وجود علاقة تكامل بينهما و بين من يفصل بين اللغة       و الفكر و في ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل العلاقة بين اللغة و الفكر علاقة اتصال أم انفصال؟
هل تستطيع اللغة التعبير عن كل ما نفكر فيه؟
هل قدرتنا على التعبير تتناسب مع قدرتنا على التفكير؟ هل اللغة تستوعب الفكر؟

الموقف الأول:

أ‌.        الاتجاه الأحادي:
يذهب انصار الاتجاه الأحادي بزعامة دوسوسير إلى الاعتقاد بأن اللغة و الفكر شيء واحد فاللغة و الفكر متلازمان و الدليل على ذلك:
إذا كان الفكر وحيدا دون لغة ستسقط عنه قيمته فنحن نتعرف على الافكار بالألفاظ يقول أرسطو"ليس ثمة تفكير بدون لغة" و يقول هيجل"إن الرغبة في التفكير بدون كلمات هي محاولة من العدم"
إن علم النفس الحديث خاصة المدرسة السلوكية بزعامة واطسون و بافلوف تؤكد على أن الطفل يتعلم اللغة و الفكر في آن واحد فهو ينطق الكلمات و يبحث عن معناها.
إن اللغة تحرك الفكر فكلمة واحدة قد تشغل الفكر لعدة ساعات، كما أن الفكر في حد ذاته لغة صامتة فالاعتقاد بوجود نشاط فكري دون لغة هو مجرد وهم، لأن الفكر حوار داخلي مع الذات فعندما أفكر أتكلم بصوت خافت، و عندما أتكلم أفكر بصوت مرتفع على حد تعبير أحمد معتوق، يقول واطسون"الفكر كلام صامت و حركات تنطوي تحت السلوك الإنساني"
إن اللغة هي تراث حضاري ينقل أعمال الأجيال السابقة فلولاها لما كانت لدينا فكرة عن الماذي و انتقلت الينا حضارة يقول هيدجر " اللغة هي المسكن الذي نسكن فيه" و يقول ماكس موليير " ماكان الإنسان ليقدس اللغة حبا لها أو لأنغامها و أجراسها و إنما لأنها تسجل تفكيره و تحفظه و تنقله إلى إخوانه في الإنسانية" فاللغة تحمي الفكر أيضا من الضياع عبر الزمن يقول هاملتون" الألفاظ حصون المعاني"
إن اللغة تركيب لفظي و لم يكن في وسع الرافضين لإمكانية اللغة عن التعبير التعبير عن آرائهم لولا اللغة يقول زكي نجيب محمود " إن الفكر هو تركيب لفظي لا أكثر و لا أقل"
إن العبارة الواضحة هي الفكرة الواضحة، و العبارة الملتوية هي الفكرة الغامضة، لذا نجد صعوبة في فهم الطفل الصغير أو المختل عقليا لأن عباراتهما ملتوية و غير منتظمة.
و منه فإن اللغة و الفكر لا يمكن الفصل بينهما فهما وجهان لعملة واحدة.
النقد:
على الرغم من أهمية اللغة كأداة للتعبير عن الفكر إلا أن القول بقدرتها التامة على ذلك أمر مبالغ فيه لأن الواقع يثبت أن افكارنا أوسع بكثير من أن نحصرها في لغة فنحن نفكر أكثر مما نتكلم بل نحن نفكر ثم نتكلم لذا جمع دعاة الإتجاه الاحادي شيئين مختلفين هما اللغة و الفكر.

الموقف الثاني:

ب‌.     الاتجاه الثنائي:
على خلاف رواد الموقف الأول يذهب دعاة الانفصال بزعامة هنري برغسون إلى أن الفكرة شيء و اللغة شيء آخر، فهما غير متناسبان لذلك يشكلان ثنائية لا احادية، فكثيرا ما تعيق اللغة نشاط الفكر فهو واسع لا متناهي أما اللغة فمتناهية و محدودة و من بين الأدلة التي اعتمدها دعاة هذا الموقف نجد
إن اللغة عاجزة عن نقل مشاعرنا و عواطفنا و أفكارنا فقد نفرح أمام موقف معين دون أن نجد الكلمات التي تعبر عن شعورنا فنكتفي بالقول إن اللسان عاجز عن التعبير. يقول الشاعر الفرنسي فاليري " إن أجمل الاشعار هي التي لا نستطيع التعبير عنها" و يقول برغسون "الواقع أننا لا ندرك من عواطفنا سوى جانبها غير الشخصي" المقصود بذلك أنه يصعب على اللغة نقل كل عواطفنا سواء في حالة المحبة أو الكراهية، فإذا طلب منك ترجمة محبتك لعائلتك فإنك تعجز عن ترجمة تلك المحبة
إن اللغة ما هي إلا وسيلة يقودها الفكر فهي مجرد مرآة عاكسة للأشياء، و هي محدودة مقارنة بالفكر، و الدليل على ذلك هو بحث المتكلم عن الألفاظ المناسبة اللتعبير عن أفكاره يقول برغسون "إن اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر" و يقول أفلوطين " إن الفكر فيض متدفق لا يعرف الانقطاع"
إن الفكر مختلف تماما عن اللغة فاللغة شيء خارجي إجتماعي     و الفكر شيء داخلي روحاني، يقول ديكارت "إن اللغة و الفكر من طابعين مختلفين فاللغة لها طابع مادي خارجي و الفكر له طابع روحاني داخلي"
إن الفكر سابق عن اللغة من الناحية الزمنية فنحن نفكر ثم نتكلم.
كثيرا ما تعيق اللغة عمل الفكر و تحد من نشاطه، فإذا وضعنا أفكارنا في قالب لغوي حكمنا عليها بالجمود يقول برغسون"الألفاظ قبور المعاني" و يقول أيضا "إن اللغة تحجر الفكر و تشينه"
إن اللغة لا تنقل الفكر بصدق دائما فالأفكار الموجودة في الذهن قد تنقل بأكثر من لفظ، مما يفقدها معناها الحقيقي لذا يقال في المثل الإيطالي"المترجم خائن" كما يلاحظ على الإنسان إذا حاور شخصا بلغة أجنبية قد يفهم محتوى الكلام و لكنه لا يستطيع التعبير.
النقد:
حقيقة لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن ننكر عدم قدرتنا على التعبير عن أفكارنا، و ترجمة مشاعرنا لكن ما يلاحظ على دعاة الاتجاه الثنائي هو محاولة الفصل التام بين اللغة و الفكر، فالعجز في التبليغ ناتج عن ضعف الرصيد اللغوي لذا يؤكد علم النفس الحديث أن الطفل يتعلم اللغة و الفكر في آن واحد.
التركيب:
مهما تكن اللغة عاجزة أحيانا عن مسايرة تدفق الفكر إلا أنها تبقى الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الفكر، فلا فكر بدون لغة و لا لغة بدون فكر يقول دولاكروا "إن اللغة تصنع الفكر و الفكر يصنع اللغة" يقول لافيل " ليست اللغة ثوب الفكر و لكنها جسده"

خاتمة:
نستانتج من خلال تحليلنا للموقفين أن قدرتنا على التبليغ تتناسب بشكل جزئي مع قدرتنا على التفكير، لكن ذلك لا يمنع وجود تفاعل بين اللغة و الفكر فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكرو يعبر عن تفكيره باللغة.

الدال و المدلول

العلاقة بين الدال و المدلول

هل العلاقة بين الدال و المدلول طبيعية أم اصطناعية
هل الدال يعبر عن طبيعة المدلول
هل العلاقة بين الأسماء و الأشياء طبيعية
هل العلاقة بين الدال و المدلول ضرورية أم اصطلاحية؟
مقدمة:
مما لا شك فيه أن اللغة كخاصية انسانية تساعد الفرد على التكيف داخل محيطه الخارجي و التواصل مع غيره أين يستعين بجملة من الألفاظ تدل على معاني مختلفة حيث يتكون النسق اللغوي من الدال و هو الصورة الصوتية للشيء و المدلول الذي يعبر عن تصور ذهني له، في حين تعتبر الدلالة حلقة الوصل بين اللفظ و معناه، و حول طبيعتها اختلفت آراء الفلاسفة و المفكرين، إذ يرى بعضهم أن العلاقة بين الدال و المدلول طبيعية في حين يعتقد البعض الآخر بوجود علاقة اصطلاحية و في ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي: هل تأخذ الدلالة بين اللفظ و معناه شكلا طبيعيا )ضروريا، حتميا، الزاميا، إجباريا(أو إصطلاحيا )اتفاقيا، تواضعيا، اعتباطيا، تحكميا(؟

الموقف الأول:

أ‌.        العلاقة الطبيعية:
يرى أنصار هذا الطرح خاصة اللغويين منهم أن هناك ارتباطا وثيقا و محكما بين اللفظ و معناه، و هذا الارتباط ليس على سبيل الخيار بل الضرورة، و قد أكد هذا الموقف فلاسفة أمثال سقراط، أفلاطون و أرسطو حيث يؤكد أفلاطون في نظرية المحاكاة أن علاقة الإنسان بالطبيعة فرضت عليه أن يسمي الأشياء بهذه الأسماء لأن الألفاظ تطابق ما تدل عليه في العالم الخارجي إذ يقول "لأنه يعرف –المشرع الأول- كيف يجسد في الأصوات و المقاطع ذلك الإسم الذي جعل ليتلاءم مع طبيعة الشيء" أي أن الاسماء وضعت و بقيت على ما هي عليه منذ القدم كما ان معرفتنا الصحيحة بالاسماء تؤدي على معرفة صحيحة بالأشياء" و ان لكل شيء اسم صحيح بالطبيعة. إذ يكفي سماع الكلمة أو اللفظ لمعرفة دلالته و الأمثلة عديدة كقولنا )زقزقة العصافير، خرير المياه، حفيف السنابل، مواء القطط، الدقدقة و غيرها. و قد دعى أنصار هذا الموقف إلى القول بأن الإنسان يقبل دائما الأصوات الموجودة في الطبيعة الأمر الذي أكده أرسطو فالعلامة اللسانية لا تقبل الأصوات التي لا تحمل مقابلا في الطبيعة. إذا فالعلاقة بين الدال و المدلول لا يمكن أن تكون اعتباطية بل هي على العكس من ذلك ضرورية، مما يعطي للعلامة اللسانية خاصيتها المميزة إذ يقول ايميل بينفست "إن الأشياء تحمل في ذاتها الأسماء" فلا وجود لعلاقة عشوائية بل هي ضرورية.
النقد:
بالرغم من تسليمنا بوجود ألفاظ لها ما يقابلها في الطبيعة إلا أن الملاحظ على هذا الرأي هو المبالغة في التأكيد على العلاقة الطبيعية فالواقع يثبت وجود ألفاظ ليس لها ما يقابلها في الطبيعة مما يفتح المجال لوجود علاقة أخرى

الموقف الثاني:

ب‌.     العلاقة الاصطلاحية:
على خلاف الرأي الأول يرى بعض علماء اللغة أن الإنسان هو الذي يبتكر و يقترح الألفاظ و المعاني دون وجود لأي ضرورة طبيعية، فالعلاقة بين الدال و المدلول اصطلاحية تحكمية و ليست ضرورية لأنها قائمة على التواضع و الاتفاق الانساني الناتج عن الاستعمال المتكرر، من هنا كانت لغة الانسان نسقا رمزيا لا ترابط ضروري فيه، فالعلامة اللسانية لا توحد بين الاسم و معناه، فالأسماء الواردة في الكلام الإنساني لم توضع لتشير إلى أشياء مادية بل إلى كيانات مستقلة بذاتها، و أفكار لا وجود لها في الواقع، و من ثمة فإن الإشارات و الرموز و الكلمات لا تحمل أي معاني، إلا ما اصطلج عليه المجتمع، فكلمة تلمبذ هي تتابع الأصوات التالية ت ل م ي ذ و هذا هو الدال أما المدلول فهو معنى كلمة تلميذ. إذ الملاحظ أنه لا وجود لأي علاقة ضرورية بينهما بل تم اقتراحمها من طرف الجماعة. و هذا ما أكده السوفسطائيون اذ يقول هيرموجين"لا شيء يستمد اسمه من الطبيعة و لكن من استعمال و عرف من الذين وضعو عادة استعماله"
ذهب إلى هذا الموقف أيضا جون بياجيه إذ يقول "إن تعدد اللغات يؤكد بديهيا الميزة الاصطلاحية للإشارة اللفظية" فلو كانت العلاقة طبيعية لكان للعالم لغة واحدة، يقول دوسوسير"إن الرابطة الجامعة بين الدال و المدلول رابطة تحكمية" يقول أيضا "إن العلاقة بين الدال و المدلول تعسفية" إذ أن كلمة تلميذ يعبر عنها بعدة لغات ففي الانجليزية نقول people و في الفرنسية نقول eleve كما نلاحظ تعدد الألفاظ لمعنى واحد فنقول عن الأسد ضرغام ، الأسامة، الليث. نجد أيضا لفظا واحدا و لكنه يحمل معاني متعددة فنقول كلمة مغرب و نقصد بها معاني كثيرة كصلاة المغرب و بلد المغرب، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن العلاقة بين الدال و المدلول اصطلاحية.
النقد:
حقيقة ما يلاحظ على المعجم اللغوي هو سيطرة العلاقة الاصطلاحية بين الدال و المدلول لكن هذا لا يمنع من وجود ألفاظ لها ما يقابلها في الطبيعة، كما أن العلاقة الاصطلاحية بين اللفظ و معناه لا تعني ترك المجال مفتوحا للاستعمال الحر و إنما يجب دائما الاتفاق.
التركيب:
ما يلاحظ من خلال تتبع خلا الموقفين هو المبالغة في التأكيد على وجود علاقة طبيعية من جهة، و اصطلاحية من جهة أخرى، لذا يمكننا القول أن العلاقة طبيعية، إلا أنها لا تقارن بحجم طبيعة العلاقة الاصطلاحية و التي لا تعني هي الأخرى أن للإنسان كامل الحرية في وضع الإشارة أو الرمز و إنما ينبغي التقيد بالاستعمال الجماعي فلا يمكن للإنسان أن يشير مثلا إلى كلمة شجرة بألفاظ و أصوات من وضعه دون أن يكون هناك اتفاق عليها من طرف الجماعة.
الخاتمة:
نستنتج من خلال التحليل أن العلاقة بين الدال و المدلول قد تكون ضرورية طبيعية،و قد تكون اصطلاحية اعتباطية و هذت و ما أكدته الدراسات المعاصرة في علم اللغة مع تأكيدنا على أنه في الغالب تسيطر العلاقة الاصطلاحية على اللفظ و المعنى و ليست الضرورية.

عوامل الإبداع

هل الإبداع ذاتي أم موضوعي
هل الإبداعي فردي أم جماعي
هل تتحكم في الإبداع عوامل ذاتية أم عوامل موضوعية؟
مقدمة:
يعتبر الإنسان كائنا متفردا يتميز بقدراته العقلية كالإدراك، التفكير، التأمل و التخيل كملكة تغيير الواقع و التخيل ينقسم إلى قسمين منه ما هو تمثيلي غير هادف، و منه ما هو إبداعي و قد شكل الإبداع محور اهتمام الفلاسفة و المفكرين من خلال البحث في مرجعيتنا و الشروط الكفيلة لإحداثها أين اختلفت آراؤهم و تباينت بين من يعتقد أن الإبداع مرتبط بشروط ذاتية خاصة وبين من يؤكد أنه محصلة ظروف اجتماعية ففي ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل الإبداع وليد عوامل ذاتية فحسب؟
أ‌.        العوامل الذاتية النفسية:
يعتقد علماء النفس و الكثير من الفلاسفة أن الإبداع مشروط بعوامل نفسية عقلية فالإبداع يرجع إلى ملكة ذاتية فليس بإمكان أي شخص أن يبدع فالمبدع يملك ذكاء خارق و قدرة على الإقناع فالفيلسوف سقراط استطاع أن يقلب موازين الفكر الفلسفي من خلال منهج السخرية و التهكم فأبطل آراء السوفسطائيين و مغالطاتهم، كما أن الإبداع يحتاج إلى الإلهام إذ يظهر الحل بصورة حدسية فالعالم ارخميدس اكتشف قانون الغضط في حمام منزله و العالم اسحاق نيوتن اكتشف الجاذبية بإلهام من سقوط التفاحة. إذ يقول "إني لأضع موضوع بحثي نصب عيني و أنتظر حتى يلمع الإشراق علي شيئا فشيئا لينقلب إلي نورا جليا" كما أن للرغبة و الميل دور في عملية الإبداع يقول بوانكاري "إن الحظ يحالف النفس المهيأة"
بالإضافة إلى الخبرة التي تشكل عامل مهم و ذلك بتوظيف الذاكرة، فالتاريخ يروي قصص أشخاص كانوا يملكون ذاكرة خارقة خاصة في حفظ القرآن و الأحاديث النبوية الشريفة كالإمام الشافعي و أبو هريرة و غير بعيد عن ذلك أكد علماء النفس أن الحالة النفسية للمبدع تساهم بقدر كبير في عملية الإبداع فالرسام الشاعر المغني كلهم انطلقو من حالة نفسية معينة، قد يكون غضب فرح، حزن، كره أو حب فحسن الخنساء على أخيها "صخر" دفعها إلى نظم قصائد خالدة في الرثاء و حب مفدي زكريا لوطنه و غضبه من المستعمر دفعه إلى إبداع الإلياذة يقول برغسون"إن العضماء اللذين يتخيلون الفروض و الأبطال القديسون اللذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية، لا يبدعونها في حالة جمود الدم و إنما يبدعونها في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار" لذا ربط فرويد بين الإبداع و الحالة اللاشعورية يقول"الإبداع تغبير مهذب نابع من غرائز جنسية مكبوتة" أما تلميذه أدلر فقد اعتبر أن الأبداع ناتج عن الشعور بالنقص. و لا يمكن أن يكون الإبداع دون صبر فمن العلماء من أفنى حياته في لأجل دراسة نظرية لذا يقال "طريق النجاح معبد بالفشل" فالعالم غاليلي قتل بسبب نظريته حول كروية الأرض، و لا يمكن الحديث عن العوامل لذاتية دون الحديث عن عامل الوراثة، فأبناء العباقرة عباقرة و كمثال على ذلك أسرة باخ الألمانية التي أنجبت أكثر من 40 موسيقي
النقد:
لا شك في تدخل العوامل الذاتية لإحداث عملية الإبداع إلا أنها تبقى غير كافية فالمبدع ليس فردا منعزلا عن المجتمع إذ لا بد من مناخ يحتويه و مجتمع يحتضن إبداعاته.
ب‌.     العوامل الموضوعية:
على خلاف الرأي الأول يرى علماء الإجتماع أن عملية الإبداع تتجاوز العوامل النفسية إلى شروط اجتماعية بمعنى أن المجتمع هو الذي يعمل علة صقل موهبة المبدع و إمداده بمختلف الوسائل، فالإبداع ليس عملا فرديا إذ يعتبر المجتمع شرطا ضروريا و من أهم هذه الشروط متطلبات المجتمع و حاجاته التي تدفع المبدع للتغير يقول كارل ماركس"الحاجة أم الإختراع" و يقول باستور"إن الافكار الخصبة للعالم هي بنات الحاجة" فحاجة الإنسان إلى السفر دفعته إلى إبداع وسائل النقل على اختلاف أنواعها و حاجته إلى التواصل دفعته إلى الاختراع وسائل الإتصال بمعنى أن المبدع لا يبدع بنفسه و إنما وفقا لما تحدده حاجته من مجتمعه هذا من جهة و من جهة أخرى يحتضن المجتمع مبدعيه فيهيء الظروف المناسبة للمبدع التي تساعده على إخراج طاقته، فقد يكون الدعم ماديا كالمكتبات، قاعات الانترنت، المخابر المجهزة، الوسائل التكنلوجية. و قد يكون الدعم معنويا كالتحفيز و المتابعة و هذا ما يظهر جليا في العلم، الفن الأدبي، الرياضة فدولة مثل اليابان تحتضن المبدعين و تهتم بما تنتجه أفكارهم يقول تين"إنك لن تفهم أثرا فنيا أو فنانا أو جملة من الفنانين إلا إذا تصورت معالم الفكر العامة و اتجاهات الأخلاق و العادات في زمانهم" لذا فالعوامل الإجتماعية تظهر الكفاءات و تميز الافراد فالتفريق بين الدول المتقدمة و المتخلفة لا يكون إلا بالرجوع إلى إبداعات أفرادها، يقول ماكس بلانك" العلم الحديث ابن ماضيه"فإبداعات دي مورغان في علم الوراثة كملت إبداعات مندل  يقول ريبو"مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحوي على نصيب إجتماعي"
النقد:
ما من شك في أن المجتمع بما يوفره من وسائل يعد سببا أساسيا و عاملا مؤثرا في عملية الإبداع، إلا أن رد الإبداع إلى المجتمع فحسب هو تقييد لحرية المبدع فكثيرا مابين التاريخ أن المجتمع في حد ذاته شكل عائقا أمام المبدعين فبدل تحفيزهم قم مبادراتهم، فالمجتمع هو الذي سمم سقراط و قتل غاليلي فقتل الإبداع، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان المجتمع السبب الوحيد في عملية الإبداع لكان كل أفراده مبدعون
التركيب:
يعد الإبداع نشاطا حيويا جوهريا إذ لا يمكن رده إلى شروط نفسية فحسب و لا عوامل إجتماعية فقط فما الفائدة من مبدع ذكي خياله خصب له موهبة و لكن المجتمع لا يحتضنه و يساعده على تجسيد إبداعاته، كما لا فائدة من مجتمع يوفر الوسائل و التقنيات لأفراد لا رغبة و لا قدرة لهم على الإبداع
الخاتمة:
ما يمكنه قوله في الأخير أن الإبداع كصورة متطورة من صور التخيل لايتم بمعزل عن تحديد شروطه و العوامل المتحكمة فيه و على ذلك يمكن القول أن الإبداع نتيجة تفاعل مزدوج بين الإرادة الفردية للمبدع و وسائل المجتمع